١٤‏/٠٢‏/٢٠٠٩

Sad Valentine

** تحذير: إلى كل الحبّيبة المعتقدين في عيد الحب.. لا تقرؤوا هذا الموضوع.. الموضوع فيه سم قاتل.
--------------------
وسط الأحداث المأساوية التي يشهدها العالم بشكل عام.. وحالة الغليان التي تعيشها مصر بشكل خاص.. من ارتفاع أسعار وبطالة وفقر وجوع وهطل وهرتلة وخلافه.. يأتي يوم 14 فبراير ليضرب بكل شيء عرض الحائط.. ويخرج لسانه لكل البني آدمين في العالم بشكل عام وفي مصر تحديدًا.. ويقول لهم: "أنا هنا اهو.. الدكر فيكم يطلعلي!".

ولما كان العبد لله مش "مرتشبط" فإن يوم 14 فبراير بالنسبة له يشبه تمامًا يوم 5 ديسمبر.. وكلاهما يشبه أيضًا يوم 31 سبتمبر إن وجد.. بل يشبه أي يوم من باقي أيام السنة الـ365 وربع زي ما علمونا في كتب الدراسات الاجتماعية.. كلها أيام ربنا.

ولكن بما إننا شعب "زايط".. "زيّاط".. "مزياط".. "زييط".. "زيوط" أي يموت في الزيطة.. فإننا ما بنصدق نلاقي عيد.. يخصنا ميخصناش أهو عيد والسلام.. يعني إجازة.. وهدايا.. وفلوس.. يطلع بقى عيد الحب.. عيد الخشب.. عيد طائر البطريق.. عيد الكركدن الأحمر.. يطلع زى ما يطلع.. المهم إنه عيد.. لازم نحتفل بيه.. وكل عيد وله طقوسه!

تخيّل.. عيد الحب الذي نحتفل به الآن.. مسلمين على مسيحيين على يهود على بوذيين على كونفوشوسيين.. يعود أصله إلى أسطورة!

بذمتك.. مش مكسوف من نفسك لما تحتفل بعيد أصله أسطورة؟ ودي مش بس أسطورة واحدة.. دي كمان ليها أكتر من رواية!

يعنى مثلاً.. لو جيت دلوقتي وقلتلك إنه في يوم 25 طهارش "مارس حاليًا" سنة 1290 ق.م. وفى بلد اسمها طرطور الفشني.. كان فيه راجل طيب اسمه سعيد.. سعيد الملزّق.. وكان تاجر مخدرات كبير.. محدش عارف يمسكه ولا يعمل معاه الغدر.. من الآخر يعني كان تاجر مخدرات مخلّص وعارف هو بيعمل إيه.. وفى يوم من الأيام جه سعيد الملزّق وفى عملية تهريب بودرة كبيرة أوي من إياهم طب عليه البوليس.. واتمسك الملزّق.. يا حبة عين أمه وهو في عز شبابه وحيويته ونضارة بشرته.. راح في شربة مية.. وتم إعدامه على الخاذوق!

ولما كانت شخصية سعيد الملزّق من الشخصيات المهمة والمرموقة في طرطور الفشني وبالتالي فله مكانة كبيرة بين أهله وجيرانه، فإنهم صنعوا له تمثالاً يشبهه تمامًا وهو جالس على الخاذوق.. وأصبح التمثال يمثل أحد أهم المعالم السياحية في طرطور الفشني وضواحيها، وأصبح له زواره من جميع أنحاء العالم.. حاجة زى الحج كده.. وفى كل يوم 25 طهارش يجتمع الناس أسفل تمثال الملزّق ويقلعوا هدومهم ويغطوا أجسامهم بأوراق الشجر، ثم يبدؤون بأكل الكبدة نيئة احتجاجًا على قرار إعدام الملزق.. ثم يتم اختيار واحد من خيرة الحشاشين في طرطور الفشني ويُعدم على الخاذوق.. ويصبح ذلك أكبر - وآخر - شرف يناله ذلك الشاب في حياته.. ويقدم نفسه للخاذوق في اعتزاز وفخر.. ولا كأنه ميت شهيد!

طبعًا لا فيه طرطور الفشني ولا فيه طهارش ولا فيه خواذيق.. كل ده أسطورة.. بس هو واحد طقت في دماغه وقال لك أعمل إشاعة وأنشرها في العالم.. سجل الهباب اللي فات ده في مذكراته.. وحلف إنه حصل.. فهل من المنطق أن يأتي الناس من بعده ليحتفلوا بيوم 25 مارس؟!

هذه الحكاية تشبه حكاية القسيس فالانتاين.. مع استبدال الزمن بالزمن والشخصية بالشخصية، لكن الثابت في الحالتين هو الأسطورة.

طب خد دي.. يعود الاحتفال بعيد الحب إلى بعض المعتقدات الرومانية في العصور القديمة.. حيث كانوا يعتبرون يوم 15 فبراير مهرجان إله الخصوبة.. أي والله إله الخصوبة.. ومفيش خطأ مطبعي ولا حاجة، وكان البيه "إله الخصوبة" يقف نصف عارٍ دائمًا ويلبس جلد الماعز!

خلاصة القول إننا عندنا استعداد نحتفل بذكرى أي سنجاب برى كانت له أيام سودة في حياته عاش فيها على قفا الناس وكل من وراهم حلاوة.. واحنا بقى ناخد أسطورته وحكاياته الفكسانة كلام مقدس له أهميته ومصداقيته!

طيب اشمعنى القديس فالانتاين وإله الخصوبة اللي الناس يحتفلوا بيهم.. هم أحسن من جدي في إيه؟ والله من بكرة الصبح لاكون عامل عيد يضرب الفالانتاين 100 جزمة.. عيد جدي.. الشناوي الكبير.. هو مش أقل من أي حد معمول له عيد.. وبما إن جدي الله يرحمه ويبشبش الطوبة اللي تحت راسه كان بيحب البصارة فأنا هسميه عيد البصارة.. هي مش أسطورة؟ يعني أقول اللي أنا عاوزه.. خلاص يبقى هو عيد البصارة.. وهعمله يوم....... يوم إيه يوم إيه.. آه.. هو ده.. هعمله يوم 10 أغسطس.. طبعًا هتسألني وتقول لي اشمعنى؟ وطبعًا هجاوبك وهقول لك مش عارف! بس اليوم ده أنا حاسس إنه كويس.. أنا حر.. عيد جدي وأنا حر فيه!

وفى كل يوم 10 أغسطس هاقدم طلب إحاطة في مجلس الشعب بإن الناس كلها تستحمى بالبصارة.. مش تاكلها.. لأنها لو كلتها فده عادي جدًا مفيهوش أي أسطورة.. أما لو استحمت بيها فهو ده التجديد.. الابتكار يا عزيزي.. ولازم يستحموا بيها وهى سخنة.. بدل هنعمل عيد يبقى نعمله على أصول.. يا إما مانعملوش أحسن!

1000 رحمة ونور عليك ياجدي.. لو تصحى دلوقتي وتعرف إن فيه عيد متفصل مخصوص علشانك أكيد كنت هتفرح أوي.. واحتمال من الفرحة كنت تموت تاني.. ياللا هتاخد زمنك وزمن غيرك يعني؟ كفاية عليك عيد البصارة.. السخنة!

٢٩‏/٠١‏/٢٠٠٩

كوكب ليبيا !

الماضي - مهما كان قاسيًا - يتحول إلى ذكريات جميلة بعدما تمر عليه السنون، وكأنما يبرُد الزمن أطراف الماضي المدببة ويهذبها ويحيلها إلى شريط ناعم متجانس من الأحداث، بعضها يثير الشجن وبعضها يقلّب المواجع وبعضها يضيف أبعادًا جديدة إلى الحياة لم نكن نراها من قبل.

ورغم أن أكثر ما تحمله ذاكرتي عن المدة التي عشتها مع أسرتي في ليبيا "من 1993 إلى 1997" كان قاسيًا، إلا أن معظم هذه الذكريات كوميدي هزلي، وهذا أمر لا يتعلق بي شخصيًا، وإنما بطبيعة هذا البلد المسكين المستكين غريب الأطوار، وهذا الشعب المليء - كغيره من الشعوب العربية - بعيوب متأصلة لها جذور راسخة أشك أن تُجتَث ولو بعد ملايين السنين.

في الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى، يتّبعون القاعدة التي تقول "خالف تُعْرف"، على اعتبار أن السيارة التي تسير في عكس الاتجاه هي الأكثر وضوحًا، وأن الإنسان الذي يمشي على يديه بدلاً من قدميه يكتسب شهرة واسعة، وإن لم يحمل في ذاته قيمة تُذكر.

عن الغرائب والعجائب الليبية حدّث ولا حرج، فالجماهيرية - بخلاف الجمهورية - كلمة تعني - في رأيهم - أن الحركات التاريخية المؤثرة يجب أن تكون حركات جماهيرية وليست جمهورية، على اعتبار أن "الجماهير" كلمة أشمل وأعم من "الجمهور".. والحركة الجماهيرية هي حركة الجماعة من أجل نفسها، أما الحركة الجمهورية فهي حركة قلة من الجماعة من أجل الجماعة بالكامل، وبالتالي فهي حركة قاصرة لأنه ليس من حق أحد أن يكون ممثلاً لأحد أو نائبًا عنه، وفي ليبيا يصرّون على أنهم "أول جماهيرية في التاريخ" ويتجاهلون أنهم - في الوقت ذاته - الجماهيرية الوحيدة في التاريخ، تمامًا كأن يعبد شخص الخشب لمجرد أن يقول إنه أول شخص في التاريخ يعبد الخشب!

رسميًا، تطلق المؤسسات الليبية الكلمات التي يتكون منها اسم الجماهيرية على أسماء أيام الأسبوع، بمعنى أن "الجماهيرية، العربية، الليبية، الشعبية، الاشتراكية، العظمى" تعني "السبت، الأحد، الاثنين، الثلاثاء، الأربعاء، الخميس"، أما الجمعة فهو هناك بنفس الاسم لاعتبارات دينية!

كما أن الشهور الليبية لها أسماء عجيبة وضعها قائد الثورة، ترمز إلى فصول السنة أو بعض الشخصيات التاريخية أو أشياء أخرى لا أعرفها، وهي كالتالي:

أي النار= يناير، النوار= فبراير، الربيع= مارس، الطير= أبريل، الماء= مايو، الصيف= يونيو، ناصر= يوليو، هانيبال= أغسطس، الفاتح= سبتمبر، التمور= أكتوبر، الحرث= نوفمبر، الكانون= ديسمبر!

هذا بالنسبة لأسماء أيام الأسبوع والشهور، فماذا عن التقويم السنوي؟

لا يوجد في ليبيا - رسميًا - التقويم الميلادي الذي نعرفه ويعرفه العالم، كما أنهم لا يسيرون على التقويم الهجري، وإنما التقويم الشرعي هناك أساسه وفاة الرسول التي كانت سنة 632 من ميلاد المسيح، باعتبارها "الحدث الأهم الذي انقطع فيه الاتصال والتخاطب بين السماء والأرض"، ولك أن تتخيل أنهم يعيشون الآن في عام 1377 و.ر، أما التقويم غير الرسمي هناك فهو "م.ر." أو ميلاد الرسول.

ولكن، ما ذنبي أنا كطفل في الصف الخامس الابتدائي يفتح التلفاز ببراءة، ليرى نشرة الأخبار الليبية، ويظهر على الشاشة مذيع ممتعض الوجه يتمنى أن يتقيأ في وجهك، ويبدأ هذا المذيع صاحب الملابس الغريبة في ترحيب شديد الجفاف بالمشاهدين ويقول:

"إليكم نشرة الأخبار: اليوم الشعبية الثالث عشر من شهر هانيبال لعام 1363 من وفاة الرسول"!

كنت أتساءل: في أي زمن نعيش؟ وفي أي مكان من مجرة درب التبانة؟ هل هذا هو تاريخ اليوم؟ عندنا في مصر كنت أعرف الشهور كما يعرفها خلق الله الأسوياء، ولكن هذا الكلام يحتاج إلى قاموس.. تخيل أن تحتاج قاموسًا لتعرف فقط تاريخ اليوم!

ليس لهذا السبب وحده قررت مقاطعة التلفاز الليبي، ولكن أيضًا لاعتبارات أخرى كثيرة، على رأسها أنه لم يكن هناك سوى محطة وحيدة تبث إرسالها هناك اسمها "الجماهيرية" بالطبع، وكانت "الجماهيرية" تبدأ في العاشرة صباحًا بالنشيد الوطني الليبي "الله أكبر فوق كيد المعتدي"، وبالمناسبة فهذا النشيد من كلمات عبد الله شمس الدين وتلحين محمود الشريف وهما مصريان، وقبل أن يكون نشيدًا وطنيًا لليبيا فهو أغنية مصرية من الأساس!

المهم.. بعد النشيد الوطني الليبي المصري الأصل تبدأ فقرة تستمر قرابة الساعة ونصف تعرف باسم "منزلية التعليم"، وهو برنامج تعليمي لمختلف المراحل التعليمية، فقد كان المسئولون هناك في أمانة التعليم يعرفون أن الكسل هو السمة المميزة لليبيين، وبالتالي فإن الذهاب إلى المدارس أمر في غاية الشقاء لكثير منهم، لذلك قرروا أن ينقلوا لهم التعليم إلى البيوت!

أمانة التعليم؟ نعم.. أية وزارة هناك اسمها أمانة على سبيل التغيير فقط ليس إلا، وأي وزير اسمه "أمين"، لأنه في كل بلاد العالم يسمونها "وزارة" ويسمونه "وزير"، وفي ليبيا يجب أن يكون الأمر مختلفًا بالتأكيد!

بعد منزلية التعليم ينقطع الإرسال من الساعة الثانية عشرة ظهرًا تقريبًا ولا يعود إلا في حوالي الخامسة مساءً، "لاحظ كلمتيْ تقريبًا وحوالي"، ويعود ببرامج الأطفال التي تستمر قرابة الساعة، ومن بعدها تبدأ فقرة تعرف باسم "الهتافات الثورية"!

في هذه الفقرة تبدأ قناة "الجماهيرية" في شرح الاختلافات الكبيرة بين النظام السياسي الليبي عن أي نظام آخر في العالم، وتوضح كم أن الليبيين أناس متحضرون لا يتمكن أحد في العالم مهما بلغت درجة رقيه أن يصل إلى نفس مستواهم من التحضر السياسي والاجتماعي، وتنطلق هذه الفقرة بما يشبه مظاهرات الدعم والتأييد للحكومة الليبية وعلى رأسها قائد الثورة، ثم تقارن بين ما يحدث في جميع أنحاء العالم وما يحدث في ليبيا في صورة "هم.. ونحن"، هم: يتشاجرون ويتناحرون ويضرب بعضهم بعضًا ويتقاذفون بالأحذية، ونحن: نتشاور ونتحاور ونتكلم بحرية وديمقراطية وشفافية!

وبعد ساعتين من هذه الهتافات، تظهر على الشاشة بعض الإعلانات المغرقة في القِدَم لمنتجات لم تعد تطرح في الأسواق من الأساس، تأتي بعدها نشرة الأخبار إياها ذات التاريخ المجهول، ثم مسلسل مصري أو سوري، وكان الله بالسر عليم!

في يوم الخميس، كانت قناة "الجماهيرية" تتعطف على جماهيرها وتذيع فيلمًا سينمائيًا مصريًا، وكنا ننتظر هذا الفيلم بفارغ الصبر لأنه الفيلم الوحيد الذي يذاع في الأسبوع بأكمله، وأتذكر أنهم أفحمونا وأذاعوا فيلم "ناصر 56" في ثلاثة أسابيع متتالية يوم الخميس!

ومن حين لآخر، تظهر بعض البرامج الترفيهية غير منتظمة الموعد، وإذا تجرأ مذيع البرنامج بطرح مسابقة للمشاهدين فقد نال نصيبه من المكالمات الهاتفية، ليس لحل المسابقة بالطبع ولكن لأسباب أخرى، قد يتصل أحد المتفرجين بالبرنامج ليشكو من جاره الذي يلقي عليه القمامة، أو يتصل ليعرف أخبار المذيع وكأنه صديقه منذ الأزل، وعندما يسأله المذيع: "هل تعرف إجابة المسابقة؟"، يقول المتصل بغباء منقطع النظير: "لا إجابة!".

الأغرب أن المذيع لا يبدي أي تذمر مما حدث، ويتلقاه كأنما اعتاد عليه، بل ويطالب المتفرجين بالمزيد من المكالمات التي "يرطلون" فيها باللهجة الليبية: "شخبارك؟ شخبار زوزتك؟ شخبار العويل؟... إلخ"!

في صيف عام 1994 كان كأس العالم يقام في الولايات المتحدة، وتفضل التلفاز الليبي مشكورًا بإذاعة المباريات لكن بأسلوب جديد مختلف ككل شيء هناك، فالنظام السياسي هناك يحرّم على معلقي المباريات النطق باسم أي لاعب، على اعتبار أن هذا اللاعب قد يكتسب شهرة وتزداد شعبيته شيئًا فشيئًا، ومن يدري فقد يلتف حوله الشعب الليبي يومًا ما ويحدث انقلاب يطيح بالسلطة العليا، لذلك عندما كانت الكاميرا تُظهر لاعبًا على الشاشة، كان المعلق يقول ببساطة: "أمامنا هذا اللاعب"، كأنه بلا اسم ولا هوية!

وفي إحدى مباريات هذه البطولة، حاول حارس مرمى إنقاذ كرة ساقطة، فرجع إلى الوراء بسرعة وأبعد الكرة بيده إلى أعلى، ثم سقط - مع اندفاعه القوي - داخل الشباك فانكسرت العارضة الخلفية للمرمى، تخيل ماذا حدث؟

بعد هذه الواقعة بأقل من دقيقة، ظهر شريط مكتوب أسفل الشاشة يشبه أشرطة الأخبار حاليًا، مكتوب به ما معناه أن "الرأسمالية المتعجرفة المتعفنة والشركات الأمريكية العملاقة التي لا هدف لها سوى مص دماء الشعوب وجمع المال منهم بمختلف الطرق وراء رداءة المنتجات التي تنتجها هذه الشركات، وهو ما تجسد واضحًا في هذه العارضة التي انكسرت لمجرد أن حارس المرمى سقط داخل الشباك"!

في "جماهيرية درع الثورة" درست الصفين الأول والثاني الإعدادي، و"جماهيرية " - كما هو واضح - هي اللفظة المرادفة لكلمة "مدرسة" بلغة أهل الأرض، أما أسماء المدارس - أقصد الجماهيريات - هناك فلا بد أن تكون ثورية وطنية، خذ عندك: "جماهيرية درع الثورة، جماهيرية الراية الخضراء، جماهيرية الصقر الوحيد، جماهيرية المجد"، وهكذا!

في العام السابق مباشرة لالتحاقي بالتعليم الإعدادي هناك، كانت تدريس اللغة الإنجليزية تبدأ من الصف الأول الثانوي، أي أن "بغلاً" في الصف الأول الثانوي كان يتعلم "a,b,c" ولا يعرف من الإنجليزية سوى ذلك، وإن تمكن أصلاً من حفظها!

تسببت قضية "لوكربي" الشهيرة في فرض حصار جوي على الجماهيرية، إلا أن هذا الحصار الجوي كان به استثناءات، تتمثل في السماح بالرحلات الجوية من وإلى ليبيا في حالات الحج والعلاج، إلا أنهم - الليبيين - لم يعترفوا بذلك مطلقًا، وكانوا يتشدقون دائمًا بأن مجلس الأمن يمنعهم من السفر إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج، وهو كلام غير صحيح بالمرة.

قررت الحكومة الليبية أن تتحدى هذا القرار غير الموجود أصلاً، وانطلقت الطائرات من ليبيا إلى الأراضي المقدسة حاملة الحجيج، مع هتافات الليبيين التي لا تنقطع: "زيد تحدى زيد تحدى.. طياراتك وصلت جدة"، ولا أعرف ما دخل مدينة جدة بالحج!

بعد ذلك ادّعوا أنهم وجدوا مضايقات من مجلس الأمن بسبب رحلات الحج الجوية، فقرروا إعلان التحدي بشكل آخر.. قافلة الحج بالإبل!

كانت الفكرة عبقرية أكثر من اللازم عادت بالأذهان إلى صدر الإسلام.. قوافل الحجيج تنطلق بالجِمال من طرابلس قبيل موسم الحج بحوالي شهرين، تتابعها عدسات التصوير وتلاحقها أينما حطّت، وتقوم بتصويرها في أماكن مختلفة تقع في الطريق بين طرابلس ومكة، وكان قناة "الجماهيرية" تنقل التقارير يومًا بيوم.. قافلة الحج الليبية بالجمال تصل إلى مدينة كذا.. قافلة الحج الليبية تعبر جبال كذا!

وعندما وصلت هذه القافلة إلى مدينة طبرق الساحلية التي كنت أسكنها، عرفنا حقيقة الموضوع.. عربات نقل عملاقة تحمل الجِمال والخيام وكاميرات التصوير، وتنطلق بهم من مدينة إلى مدينة، ومع كل توقف في مدينة ما يتم إنزال الجِمال ونصب الخيام وتصويرها مع حجاج وهميين، ثم تنطلق الرحلة مستكملة طريقها باتجاه السعودية!

كانت تلك مجرد لقطات من ذلك البلد المختلف في كل شيء، والذي أراد أن يثبت أن الاختلاف وحده هو سبيل الشعوب نحو الرخاء والنماء، لكنه فشل في ذلك عن جدارة.

٢١‏/٠١‏/٢٠٠٩

"ب"

كانت بداية اليوم مشرقة مبشرة، رغم أنني صحوت كالعادة بضرب الأحذية تتملكني رغبة مُلحة في النوم لمدة أسبوع كامل دون أن يوقظني أحد، أجريت طقوس الصباح المعتادة وغادرت الشقة مسرعًا، ومع صوت غلق الباب تذكرت - كالعادة - أنني نسيت عشرات الأشياء بالداخل، قلت لنفسي: مادام مفتاح الشقة في جيبي فلا مشكلة إذن، تحسست بيديَّ الاثنتين جيوبي من الخارج فلم أشعر بوجود مفاتيحي رغم أنها معلقة في ميدالية كبيرة عامرة بالمفاتيح تشبه سلاسل مفاتيح اللصوص، وعرفت على الفور أن أهم شيء نسيته داخل الشقة هو المفاتيح التي احتفظت بها داخل جيب بنطال، إلا أنني ارتديت واحدًا آخر هذا الصباح.. يا للبداية الرائعة لليوم.

كنت منذ حوالي شهر قد غطيت موضوع إخراج سجينة من سجن النساء بالقناطر لمجلة ما.. سجينة لأنها اشترت أجهزة كهربائية بالقسط لجهاز شقيقتها، على اعتبار أنها ستتعاون مع والدتها تاجرة الخضراوات على سداد الأقساط الشهرية، إلا أن الرياح أتت كالعادة بما لا تشتهي السفن، بالمناسبة لا أعرف متى تأتي الرياح بما تشتهي السفن، وتوفيت والدة السجينة "ب" بعد أن دهستها سيارة بجوار سوق العبور وهي تشتري بضاعة.

المهم أن النهاية المعروفة أن "ب" تعثرت في السداد وتراكمت عليها المديونيات، وأن الدائن رفع عليها قضية دخلت بها السجن، لكنها ليست مجرمة بأي حال من الأحوال، وذلك النوع من السجينات تطلق عليه المجلة اسم "سجينات الفقر" لتمييزهن عن باقي السجينات.

وُفِّقَت الجمعية المعنية برعاية أطفال السجينات والتي تصدر عنها المجلة في تدبير المبلغ المطلوب من "ب"، وتم توفير الدعم القانوني لها عن طريق أحد المحاميين، وحضرت بنفسي تسليم ديونها إلى الديَّانة، وخرجت "ب" لتشم نسيم الحرية بعد ثلاث سنوات من السجن مرت عليها كثلاثة قرون، نسيت أن أقول إن "ب" لديها ثلاثة أطفال كبيرهم في الحادية عشرة من عمره، وصغيرهم كان معها داخل السجن.

ذهبت إلى بيت "ب" بإحدى القرى البدائية للغاية في محافظة القليوبية لكي أكتب عنها تحقيقًا صحفيًا للمجلة، لكنني لم أجدها، ووجدت فقط زوجها الذي يعمل أرزقيًا فيجد عملاً يومًا ويظل شهرًا بلا عمل، بينما كانت هي مشغولة بإنهاء إجراءات الإفراج عنها في المحكمة، فأجريت التحقيق مع زوجها وطفلها الأكبر الذي ظهر فجأة في الغرفة التي جلسنا فيها وعيناه مليئتان بالتساؤلات تجاهي.. من هذا الغريب؟ وماذا يعرف عن ماما؟ هل سيأخذها من جديد بعد أن عادت من السفر؟ فلماذا يسأل بابا تلك الأسئلة؟.. كان بيتها متواضعًا وضيقًا للغاية، ولمست سعادة كبيرة في وجه زوجها بعد أن خرجت زوجته إلى الحياة مرة أخرى، بصرف النظر عن الريبة التي اعتلت وجه الطفل.

فلنعد إلى البداية، كان اليوم المذكور موعد ما نسميه بـ"الرعاية اللاحقة" للسجينة.. نذهب إليها بعد أن خرجت من السجن لنفتح لها مشروعًا صغيرًا تتكسب من ورائه وتتمكن - إلى حدٍ ما - من سداد أقساطها المتأخرة، ذهبت وبصحبتي المصور إلى بيتها، وضللنا الطريق رغم أننا هناك للمرة الثانية، لأن المكان أشبه بمغارة علي بابا، طرق وطرقات ضيقة ملتوية بائسة، ثمة أطفال بدون ملابس - رغم برد الصباح القارس- يجرون هنا وهناك، وبائعة طاعنة في السن تجلس أمام دارها لتبيع بقايا خبز يبدو أنه تعفن، أما ما يمكن أن نسميه "سوبر ماركت القرية" فكان مجرد كشك خشبي أخضر اللون لا يزيد طوله على مترين وعرضه على متر ونصف.

وصلنا إلى بيت "ب" بمساعدة أحد أهالي القرية، بعد أن عرف صغيرها قبل كبيرها أن هناك غرباء يطوفون أرجاءها ويبحثون عن شيء ما، وأنا أسأل الرجل الدليل على بيتها لمحت على زاوية فمه ابتسامة ساخرة، فشككت في الأمر وتوقعت أن هناك مفاجأة ما في انتظاري، وكان حدسي صحيحًا، لأن ما حدث كالتالي....

طرقت باب الشقة عدة طرقات فلم يفتح أحد، خمنت أن "ب" وزوجها وأطفالها نائمون، فطرقت بعنف حتى سمعت صوتها من الداخل.. من؟.. قلت.. أنا فلان وجئت من أجل كذا، فتحت الباب لأجد امرأة أخرى، نعم هي ليست "ب" التي جئت من أجلها.

- أين "ب"؟
- ليست هنا.
- وأين زوجها؟
- ليس هنا أيضًا.
- إذن من أنتِ؟
- أنا زوجته الجديدة؟
- و"ب"؟
- لقد طلقها فور خروجها من السجن!

تراجعت إلى الخلف مترنحًا كما يحدث في أفلام السينما، وأغمضت عينيّ للحظة أبتلع تلك الكلمات القاسية التي وقفت في حلقي، كانت الألفاظ التي أبحث عنها لأسبّ هذا الرجل لا تطيعني، فكنت أبحث عن سباب مناسب لهذا الندل، الذي تخلى عن زوجته وهو يعرف أنها غير مذنبة.

- وأين لي أن أجدها؟
- في بيت أهلها.
- وهل هناك رقم هاتف؟
- نعم لكنه مع زوجي.
- أعطني رقم زوجك.

عبر شبكات المحمول التالفة وصلني صوت الرجل متقطعًا، ذكرته بسرعة بهويتي وطلبت منه رقم هاتف "ب" فأعطاني إياه، لكنه قال لي إنها في الغالب لن ترد عليّ، وأعطاني رقمًا آخر لشقيقتها.

كما توقع تمامًا انتهت أجراس هاتفها إلى لا شيء، فجربت أن أتصل بشقيقتها، وعندما جاءني صوتها وسمعت اسم "ب" ارتجف صوتها من الخوف، وقدّرَت أنني واحد من الديّانة، فقالت بارتباك إن "ب" ليست في البيت، تفهمت موقفها وأوضحت لها الأمر وقلت إنني هنا لمساعدتها ليس لمطالبتها بالمال، فأقسمت أنها تركت البيت منذ أيام.

فقدْت الأمل في أن أجد ضالتي، وعدت إلى القاهرة ورأسي يغلي ويفور على جانبي جسدي.. أين ذهبت تلك البائسة؟ وما مصير أطفالها؟ هل هي عند أهلها ولم تتحدث إليّ لأنها خائفة؟ كيف تعيش ومن أين تنفق؟ هل ستسدد باقي أقساطها؟ هل ستعود إلى السجن مرة أخرى؟ أسئلة دارت في ذهني كالدبابير.

أنا لا أملك ترف الإصابة بالاكتئاب، لأنه مرض يصيب من يعانون المساحة الزمنية الكافية للإصابة به، أما إيقاع الحياة السريع فلا يناسب هذا المرض تمامًا، لكن باقي اليوم مر عليّ ثقيلاً مليئًا بالهموم، وكنت لا أطيق أي شيء.. حتى أفكاري التي تجول في مخي لم أطيقها.. كرهت كل شيء وتمنيت أن أروح في غيبوبة طويلة نوعًا أفيق منها إنسانًا جديدًا لم يسافر إلى القليوبية صباح الأربعاء.

مع حلول الليل، وفي حوالي الساعة السادسة، وجدت رقم "ب" على شاشة هاتفي، تملكتني مشاعر مختلفة بين الدهشة والفرح والخوف، رددت عليها وأخبرتها بسرعة بما دار في اليوم، قالت لي إنها ستأتي إلى مقر عملي لتعرف ما كنا ننوي تقديمه لها.. وها أنا ذا أنتظر.

١٧‏/٠٨‏/٢٠٠٨

Since 1983

أتممت خمسًا وعشرين عامًا، وهى نقلة غريبة بحق.. فالعام الذى يقفز بك من سن الرابعة والعشرين إلى الخامسة والعشرين يساوى عشرات الأعوام.. والله وحده يعلم ما إذا كانت تلك السنون الفائتة هى القسط الأكبر من عمرى أو القسط الأصغر، أو ربما كانت هى عمرى كله، ولكن لا يمكن لأحد مرت على حياته خمس وعشرون عامًا، ألا تكون له ملاحظات وقناعات ورؤى استنتجها بمحض إرادته، أو فرضت هى نفسها على حياته فرضًا.. بالتأكيد هى أعوام حملت الكثير، لكن السؤال الأهم.. هل حملت أنا لها شيئًا؟ ربما نعم وربما لا.. على أية حال فلست أنا من يجيب على هذا السؤال.
فلنعد إلى ما بدأنا به.. كيف كان ربع قرن من الزمان مر كعشية وضحاها؟ وكيف يمكن ترجمة تلك السنين إلى شخصيات أو مواقف أو أحداث أعتقد أنها مهمة؟

فلنبدأ بالشخصيات.. أرى أن عدد ما بحياتى من شخصيات أقل بكثير من أى شخص آخر، وأجد فى ذلك ميزة كبيرة، فما جدوى أن تعرف الكثيرين الذين يعيشون دائمًا على هامش حياتك، ولا يدخلون أبدًا إلى شريط الأحداث، بل ولن يفعلون ذلك يومًا؟

عبد الفتاح الشناوى: لمن لا يعرف سوى اسمى الثنائى فقط "مهند الشناوى"، فهذا الرجل هو أبى.. أبى الذى أختلف معه أحيانًا فى أفكار وقناعات معينة، لكننى تعلمت منه الكثير.. ودائمًا ما اتفقت آراؤنا فى معظم المواقف، رغم اختلاف رد فعل كل منا تجاه الموقف ذاته، وقد كان ذلك سببًا لاتهام وُجّه إلىّ، هو أننى لست ككل الأولاد.. يميلون دائمًا إلى أمهاتهم.. أولاً أنا لا أرى ذلك اتهامًا على الإطلاق، ثانيًا إن اتفاقى أو اختلافى مع أحد فى رأى أو وجهة لا يرتبط مباشرة بحبى له أو ميلى نحوه ضد طرف آخر، وبالتالى فإن هذا الاتهام غير صحيح بالمرة.. كنت أشعر أحيانًا فى طفولتى أنه قاسٍ إلى حد ما، ولكنى الآن أرى أن تلك القسوة تركت داخلى بصمة لا أقوى على تجاهلها، وعندما أقارن نفسى بأشخاص تُرك لهم الحبل على الغارب، ونالوا نصيبهم من "الدلع"، وغرقوا فى بحور الاستهتار، أرى أن قسوته كانت فى محلها وفى وقتها، بل سأطالبه بمزيد منها لو عدت طفلاً.

حلا محمود: هى ابنة أخى التى أحببتها كما لم أحب أحدًا من قبل.. وكم تمنيت أن أمتلك واحدة منها.. وقد أكدت لى ولعى بالأطفال حتى سن معين، وولعهم بى حتى سن معين أيضًا.. هى بوابتى إلى العبور نحو العالم الآخر الذى أحب.. عالم الأطفال، وأعتقد أننى كنت أشبهها كثيرًا وأنا فى سنها "عشرة أشهر"، ولا أعرف لماذا أرى بها نفسى كلما نظرت إليها، ولأننى بالطبع لا أذكر حرفًا من ذلك، فأنا أجرب عليها لأعرف كيف كنت أتصرف وأنا طفل.

نادر مصطفى: رأيت أنواعًا كثيرة من الصداقات، لكن صداقتى بذلك الأخ صداقة من نوع خاص، ودرجة فهم كل منا للآخر فاقت كل حد.. ما بينى ونادر ليس مجرد صداقة تحتفل بعيد ميلادها الثامن، وإن كانت كذلك فهى صداقة فى مرحلة الطفولة، لأننى أعرف أصدقاء عمر صداقتهم يزيد على الثلاثين عامًا مثلاً، أما صداقتنا فقد تجاوزت مئات الأعوام، أشعر أحيانًا أننى أجلس بداخل رأسه وأسبح فى تلافيف مخه، وأعرف تمامًا فيم يفكر فى تلك اللحظة بالذات.. الوجه الآخر لذلك هو أن كلانا لا يستطيع أن يحبس معلومة عن الآخر، أو هكذا أظن.. بمعنى آخر فنحن نعرف بعضنا البعض أكثر من اللازم.. حتى أن كثيرين ممن يعرفوننا فى مجال العمل لا يستطيعون تمييز كلانا عن الآخر، رغم الاختلافات الشكلية الرهيبة بيننا، والتى لا تدع للخلط بيننا مجالاً من الأساس.

محمد جهاد: هو صديق فلسطينى زاملنى فى مدرسة "درع الثورة الإعدادية"، حيث درست الصفين الأول والثانى الإعدادى فى مدينة طبرق الساحلية الليبية.. لا أعرف أين هو الآن، بل لا أعرف أصلاً إن كان حيًا أو ميتًا.. ربما كان شهيدًا.. كانت تجربة معرفته تجربة قاسية لطفل فى الحادية عشر من عمره، فمحمد جهاد هو أول من علّمنى كيف يكون الإنسان عندما يلتهمه القهر والبؤس، وكيف يبدو الفأر الحبيس فى المصيدة دون ذنب سوى أنه مجرد فأر.. كان الفلسطينيون النازحون إلى بلاد عربية قريبة لفلسطين يملأون ليبيا، تشعر فى بعضهم بالبرود إلى درجة الوقاحة أحيانًا، وأحيانًا أخرى تشعر أنهم أناس ضعفاء مساكين حلمهم فقط أن يعيشوا دون أن يقتلهم أحد، وقد كان محمد واحدًا من هؤلاء.. لم يكُف يومًا عن الحلم بالعودة إلى فلسطين التى لم يكن يذكرها، ولم ينسَ يومًا أن يحدثنى عن عائلته التى لا يعرفها، وعن المشاكل التى يواجهها هو وأسرته فى ليبيا أثناء معيشتنا هناك.. كان الولد يقطر حزنًا رغم الابتسامة التى لم تتركه أبدًا، وكنت أشعر بضيق حاله دومًا ولم أملك سوى الدعاء له بفك الكرب.

أخطأت؟.. وكيف لى ألا أفعل؟ فلو أن أحدًا لا يخطئ، لكان أجدر به أن يزور الطبيب النفسى، يعيده من جديد إلى درب الأخطاء، ولو اعتقد أحد أنه لا يخطئ لكان اعتقاده ذاته أكبر خطأ اقترفه.. المهم فيم أخطأت أنا؟
لم أرتكب أخطاءً جسامًا فيما مضى أو هكذا أعتقد.. فأنا لم أقتل مثلاً ولم أسطُ على مصرف ولم أختطف طائرة، أما خطأى الذى أراه كبيرًا أنى لم أقرأ بما يكفى فى مجالات مختلفة عندما كنت طفلاً، فقد كانت ميولى العلمية طاغية على كل تفكيرى، وكنت أتحاشى قراءة كل ما هو خلاف ذلك، وهو خطأ انتبهت إليه فى وقت متأخر، وسعيت إلى تداركه لاحقًا.

السؤال عن الخطوبة والزواج.. سؤال يلح على الآخرين –لا سيما الصديق الحبّوب عمرو زقزوق– أكثر ما يلح علىّ، وحتى الآن لم أعرف لذلك سببًا واضحًا، هل يحمل الآخرون همّى أكثر مما أحمل؟
نويت فى وقت ما أن أتقدم إلى فتاة، لكن شىء ما جعلنى أخاف.. مواقف رأيتها أمام عينى قالت لى أن الوقت لم يحن بعد، أو أن بركانًا سينفجر فى وجهى إذا ما فعلت، فقررت أن أتمهل قليلاً، لكن يبدو أننى تأخرت كثيرًا حتى لم تعد من نصيبى.. ندمت؟ لا أعرف.. ولكن هكذا تسير الدنيا.. ربما أكون مخطئًا فيما فعلت، لكننى فعلت ما فعلت وكان وقتها هو الصواب.. كان لا بد لى أن أتقهقر.. والأمر قسمة ونصيب على كل حال.

فى الطريق من 1983 إلى 2008، كانت هناك علامات بارزة غيرت مجرى حياتى أحيانًا، أو أثرت بشكل مباشر فى طريقة تفكيرى ونظرتى للأمور، أذكر منها هنا موقفين.
فى مايو عام 2000، أصبت بكسر فى أنفى بعد ارتطام قوى بالأرض فى مباراة كرة قدم، كان ذلك قبل امتحانات الثانوية العامة بأسابيع، ولم أكن أنتظر مفاجأة أجمل من تلك تحدث لى فى هذا التوقيت بالذات.. عشت ساعتين من الألم الجسدى الرهيب كما لو أننى كنت أحاول اجتياز دورة تدريبية مكثفة فى الألم.. ألم من النوع الذى يعتصر الروح ذاتها ويدنو بها من الموت.. نعم.. أردت أن أموت وقتها لأنى بالفعل لم أكن أحتمل، ناهيك عن الإصابات النفسية التى قرأت علاماتها على وجه كل من رأى وجهى وقت الكسر ولم يتمكن من تمييزه.. كفانى كلامًا عن هذا الموضوع فالألم قد بدأ يعاودنى.
المهم أننى عدت للعب الكرة بعد امتحانات الثانوية العامة مباشرة، فليس من المنطقى أن تكون تلك الإصابة مبررًا لأن أقاطع الكرة، فليس كل من يصاب فى حادث سيارة لا قدّر الله يكفّ عن السير فى الشوارع، ولا كل من يصاب بتسمم غذائى يقلع عن تناول الطعام.

فى يوليو من نفس العام، بينما كنت غارقًا فى أحلام الالتحاق بكلية طب الأسنان دون سبب واضح، ظهرت نتيجة التنسيق معلنة أننى أحتاج فقط إلى نصف درجة من أجل الوصول إلى آخر كلية طب أسنان.. قررت أن أعيد تصحيح ورق إجابتى فى مادة الأحياء لعلى أحصل على نصف درجة تنقل مجرى مستقبلى، وفى أثناء تصحيح الأحياء علمت أن هناك أكثر من خطأ فى نموذج إجابة المادة، وتم التصحيح على النموذج الخاطئ ليوم كامل من ثلاثة أيام هى وقت تصحيح أوراق الأحياء بالكامل، ولا أعرف لماذا توقعت أن يطولنى هذا الخطأ، وأننى سأكون أحد ضحايا اليوم الأول للتصحيح.. وقد كان.
عندما رأيت ورقة إجابتى، كانت إجاباتى الصحيحة غير مطابقة لنموذج الإجابة الخاطئ، وبالفعل حصلت على علامة × عن جدارة فى أكثر من نقطة، كلفتنى درجتين كاملتين، أستحق منها درجة ونصف على أقل تقدير، ولكن ما باليد حيلة.
خرجت من غرفة مراجعة الأوراق أكاد لا أرى، غير مصدق أن كل هذا الظلم قد وقع علىّ.. مدركًا أن مجرى حياتى المقبلة سيتغير 360 درجة، بل 630 إن أمكن ذلك.. سأنتقل من أحلامى بطب الأسنان، إلى واقعى الذى أخبرتنى به بطاقة الترشيح.. كلية الإعلام جامعة القاهرة.. من طب أسنان إلى إعلام، أى من الصين إلى الولايات المتحدة.. من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، ربما كان فى ذلك خير لى، لكننى وقتها لم أكن أصدق الصدمة.. كيف يمكن لإنسان لا مبالى أن يكتب إجابة خاطئة فى نموذج إجابة تقذف بإنسان آخر إلى غياهب المجهول؟

أحلامى فيما هو قادم.. بسيطة.. فلم أحلم كثيرًا فيما فات وهذه هى سمتى، لا أعرف إذا كان ذلك حسنًا أم لا، ولكنها عادة لا تنفصل عنى.

تُرى كم 25 عامًا يعيشها الإنسان؟ إن زادا على اثنتين فهو خير وبركة.. وإن قلا فهو أخير وأبرك.. فليس هناك ما يستحق الحياة أكثر من ذلك.

٢٥‏/١٢‏/٢٠٠٧

البوست القادم

نهاية ضرس

!ماذا تفعل لو كنت تامر حسنى ؟

حكى لى أحد الأصدقاء عن شىء غريب حدث له.. عرفت من خلاله مم يعانى منه شبابنا.. وتخيلت نفسى أجدف داخل دماغ واحد منهم لأجد ما أجد من أكوام متناثرة هنا وهناك فى إهمال شديد.
ماذا تفعل لو كنت تامر حسنى؟ أو بمعنى أدق ماذا سيفعل معك الشباب –أولاد وبنات– لو كنت تامر حسنى؟ رأيت أن أنقل الموقف كما حكاه لى صديقى بحذافيره.. وأترك لكم الحكم على شباب هذا البلد الذى يشكل حاضرها ويبنى مستقبلها.. هكذا يقول صديقى
بدأت الحكاية عندما اتصل بى شخص لا أعرفه وقال بثقة
- إزيك ياأستاذ تامر؟
فقلت باستغراب
- الأستاذ تامر مين؟ النمرة غلط يافندم
- الله.. مش حضرتك الأستاذ تامر حسنى؟
قلت فى عقل بالى تامر حسنى المطرب المعروف؟ وده إيه اللى أستذه بقى إن شاء الله؟
- ياسيدى الفاضل.. أنا مش الأستاذ تامر حسنى.. ولا عمرى شفت الأستاذ تامر حسنى.. ولا عمرى سمعت الأستاذ تامر حسنى.. انت أكيد غلطان فى النمرة
- ياأستاذ تامر.. أنا عارف إنك الأستاذ تامر بس انت مش عاوز تقول لى
- ياعم ورحمة أمى أنا اسمى مش تامر أصلاً
- طيب ثانية واحدة ياأستاذ تامر......
وتحول الصوت من صوت رجالى خشن إلى صوت حريمى ناعم يقول
- إزيك ياتامر
- انتى متصلة بمين؟
- تامر حسنى طبعًا
اللهم طولك ياروح....
- ياستى والله أنا ما تامر حسنىىىىىىىى
- إزاى؟ ده اللى كان بيكلمك ده محمد اللى كان معاك فى السجن.. وانت اللى كاتب له رقم تليفونك بخط إيدك
أدركت ساعتها أن الحوار كبير.. وأنى أصبحت فأرًا فى مصيدة محكمة الإغلاق.. وأنه لا سبيل لى للخروج منها سوى مجاراة هؤلاء المجانين فيما يقولون، فقلت لـها بنفاد صبر
- طيب وانتى عاوزة منى إيه دلوقتى؟
- يعنى انت تامر حسنى؟
- أيوة أنا تامر زفت!
- لا ياحبيبى ماتقولش على نفسك كده.. انت عامل إيه؟
- أنا الحمد لله كويس
- أنا مبسوطة أوى إنى بكلمك
- طيب
- خد محمد عاوز يسلم عليك
يادى النيلة السودة.. ما هو لسه مكلمنى
وظل محمد معى على الـهاتف عشر دقائق كاملة يحكى لى عن ذكرياتنا فى السجن –الذى لم أعتِّبه– وأنا لا أقول سوى "آه".. "طبعًا".. "أمال إيه".. "أكيد".. حتى أقنع الأخ محمد وصديقته نفسهما أنهما يتحدثان فعلاً إلى تامر حسنى رغم عدم وجود أى تشابه بين صوتى وصوته.
وانتهت المكالمة على أنهما سيتصلان بى فيما بعد، ولكن كان محمد هو آخر صوت رجالى أسمعه يكلمنى بخصوص تامر حسنى.
ولم تمر ساعة واحدة حتى وصل رقم هاتفى إلى بنت أخرى.. فثالثة فرابعة.. وانهالت عليا المكالمات من كل صوب واتجاه.. من هواتف محمولة وأرضية عرفت من خلالـها أن كل الاتصالات من محافظة دمياط.. ومن جديد أسمع رنين الـهاتف.......
- ألو
- أيوة ياتامر ياحبيبى
- النمرة غلط
وأغلقت الخط فى وجهها قبل أن يبدأ حوار طويل عريض بيننا ينتهى إلى لا شىء.. ثم يرن جرس الـهاتف من نفس الرقم فلا أرد.. ثم يرن من رقم جديد
- ألو
- أيوة ياتامر.. كده تقفل السكة فى وشى؟
- تحبى أحلف لك على إيه إن أنا مش تامر حسنى؟
- بس أنا عارفة إنك تامر حسنى!
- أففففففف.. طيب خلاص خليكى عارفة إنى تامر حسنى
- بس على فكرة.. صوتك مش زى صوت تامر حسنى.. انت شكلك كده بتكذب عليا!
- طيب انتى عاوزة منى إيه دلوقتى؟
- عاوزة أعرف انت تامر حسنى ولا لأ
- يابنت الناس –قلتها مجازًا– أنا قلتلك إنى مش تامر حسنى قلتيلى لأ انت تامر حسنى.. قلتلك أنا تامر حسنى قلتيلى لأ انت مش تامر حسنى.. عاوزة منى إيه
- عاوزة أعرف انت مين
- انتى عاوزانى مين؟
- تامر حسنى!
- خلاص.. اعتبرينى تامر حسنى
- طيب عاوزاك تسمعنى آخر أغانيك
- معلش عندى برد.. مش هقدر أغنى دلوقتى
- تبقى انت مش تامر حسنى
كان دم رأسى قد بدأ فى الغليان.. وقبل أن أتفوه بلفظ يعاقب عليه القانون قلت لـها
- طيب أنا لازم أخلع دلوقتى علشان عندى تصوير!
وأغلقت الخط بسرعة.
لا أدَّعى أننى شاب مهم.. ولا أننى لا يمكننى أن أغلق هاتفى لمدة أسبوع مثلاً.. ولكنى فعلاً كنت بحاجة ماسة له تخص عملى، كما أننى لم أجد فى ذلك حلاً مناسبًا.. فلو أن كل واحد أغلق هاتفه لأنه تصله مكالمات لا تخصه لأصبحت البلد بلا هواتف محمولة.. وقد تحملت نتيجة ذلك أسبوعًا كاملاً من الأرق، حيث كان وقت الذروة لرنين الـهاتف يبدأ من الثانية صباحًا وحتى السادسة تقريبًا.. وكنت أستقبل كمًا هائلاً من الرسائل التى تخر عشقًا وغرامًا وتحمل غزلاً صريحًا شبيهًا بشعر الجاهلية مثل
"أحببتك بكل كيانى ووجدانى وأصبح قلبك مكانى وعيناك عنوانى.. خلود" و "نفسى أرفعك فوق فى السما بس حرام.. السما فيها القمر.. وكمان حرام قمر زيك يمشى على الأرض.. إيمان" إلخ......
أما السبب الرئيسى الذى جعل الأزمة تنفرج قليلاً فكان عندما اتصلت بى فتاة يدل صوتها على أنها فى العشرينات من عمرها، وقالت لى
- بقولك إيه.. كلمنى بصراحة.. انت تامر حسنى ولا لأ؟
- والله العظيم تلاتة وحياة العيش والملح وحياة سيدى إبراهيم الدسوقى أنا ما تامر حسنى
- أصل أنا طالبة فى مدرسة ثانوى فى دمياط، والموضوع انتشر هنا بشكل فظيع بين الطالبات، والرقم بقى موجود على موبايلات ما لا يقل عن 500 بنت!
- ...................
- طيب بص.. أنا ممكن أعمل فيك خدمة كبيرة أوى.. أعرّف كل صحباتى إن الكلام ده كله كذب
- تبقى عملتى فيا خدمة كبيرة أوى مش هنساهالك طول حياتى
- بس بشرط
- خير
- رقمك يفضل معايا علشان اتصل بيك كل فترة أعرف منك آخر أخبارك الفنية وأعمالك الجديدة
- ................
كان ذلك آخر المطاف فى حكايتى مع الأستاذ.. جلاد القلوب.. ومروض الجميلات.. ومحطم قلوب العذارى.. تامر حسنى.. ورابطة عشاقه فى دمياط
بعد هذه المكالمة ذهبت لأقرب منفذ بيع خطوط هواتف محمولة واشتريت خطًا جديدًا برقم لم يعرفه سوى من أريد، أما خطى القديم فقد رميته فى أول بالوعة مجارى صادفتها فى طريقى

١٤‏/١٢‏/٢٠٠٧

مجرد بوست جديد

تتيح لى الظروف أن أتردد على سجن النساء بالقناطر الخيرية شهريًا، ليس كسجينة طبعًا، ولكن من أجل كتابة بعض الموضوعات التى تنشرها مجلة ما.
سجن النساء هو عالم موازٍ لا يمكن وصفه بسهولة، فهو المكان الوحيد الذى تشعر فيه بأن اللون الأبيض –لون الزى الخاص بالسجينات– هو لون الشر.. لون القتامة.. لون القتل والسرقة والنصب والدعارة.. ربما يختلف عن سجن الرجال الذى لم أتشرف به بعد، والذى أستقى كل معلوماتى عنه من خلال السينما، أو هو بالتأكيد يختلف، لأن النساء يختلفن بطبعهن عن الرجال.. فأنا على يقين أن هناك فى سجن الرجال تكتلات وأحزاب ضد أخرى، وعصابات من عتاة الإجرام تسيطر على السجناء الغلابة "إذا كان هناك سجناء غلابة".. وهناك تجارة مخدرات وشذوذ وخلافه.. أنا متأكد من ذلك رغم أننى لست "رد سجون".
أما فى سجن النساء.. فإلى جانب دموع عشرات السجينات اللاتى يحملن شكاوٍ مختلفة ولهن أمانٍ يحلمن بتحقيقها، وإلى جانب السجينات اللاتى انقطع عنهن أهلهن منذ صدور الحكم بالتحاقهن بمؤسسة التأديب والتهذيب والإصلاح، واللاتى منهن من لم ترَ أحدًا من أقربائها منذ سنين، ولا حتى أولادها، ولا تعرف عنهم شيئًا.. أين هم الآن.. مع من يعيشون.. كيف يأكلون.. إلى جانب كل ذلك ثمة أشياء قد لا تخطر لأحد على بال، وقد لا يصدقها إلا إذا كان سعيد الحظ ودخل سجنًا للنساء فعلاً.
خذ عندك أن هناك من السجينات من لا تشعر من مظهرهن أنهن يقضين حكمًا فى سجن، فهن غالبًا ما يكونون "على سنجة عشرة".. يتزينون بشكل كامل.. من خدود حمراء وعيون مكحلة وأفواه محددة بأصابع الـ"روج"، إلى شعور صفراء ناعمة، للوهلة الأولى تعتقد أنك لست داخل سجن إطلاقًا.. بل أنت فوق كوبرى قصر النيل أو فى حديقة الأسماك أو على أحد مقاهى وسط البلد الشهيرة بأعمالها المنافية.
تساءلت فى نفسى كيف يتزينن بهذه الطريقة الغريبة.. لا بد أن هناك من يفعل ذلك لهن.. كوافير فى السجن؟ للحظة شعرت بأذناى تطولان منبئتان ببداية تحولى إلى حمار كبير.. هل جننت كى أفكر أن هناك "كوافير" فى السجن؟
إلا أننى بعد زيارتين اكتشفت أننى لم أكن حمارًا.. وكم كانت سعادتى مبدئيًا لأننى لست حمارًا.. وكم كانت دهشتى عندما عرفت أن هناك فعلاً "كوافير" داخل السجن.. مصففة شعر تمتلك عدة كاملة للتزيين وتصفيف الشعر.. من أين أتت بها لا أعرف.. كل ما أعرفه عنها أنها سجينة أخرى تمتلك صنعة قررت أن تستغلها فى السجن، وأن يكون زبائنها من زميلاتها فى العنابر المختلفة.
شىء آخر إن لم تصدقه قد تكون محقًا.. فى نفس الزيارة أكون مرافقًا لمجموعة أخرى مهمتها تقديم بعض المساعدات الإنسانية لأطفال السجينات فى عنابر الأمهات.. هؤلاء الأطفال الذين يسمح لهم القانون بالتواجد مع أمهاتهم فى السجن حتى سن سنتين ثم يخرجوا بعد ذلك إجباريًا إلى أحد دور الرعاية الاجتماعية.. لك أن تتخيل أن السجانات يخبروننا أن هناك من الأمهات من تبيع ما نقدمه لطفلها –علبة لبن أو قطعة ملابس أو أطعمة– من أجل أن تشترى علبة سجائر تدخنها فى السجن.
كل السجينات يدخلن السجن مخطئات ومذنبات.. بعضهن يؤثر فيهن السجن ويتحولن شيئًا فشيئًا إلى نساء أقرب إلى الطبيعيات، بينما يبقى بعضهن كما كنّ، ويبحثن عمن يذنبن فى حقه فلا يجدن سوى أطفالهن الذين لا ذنب لهم، ولا إثم اقترفوه كى يبدأوا حياتهم من داخل الزنازين.

٢٠‏/١٠‏/٢٠٠٧

شِعْر مش من تأليفى طبعًا

infection أيا ذا القلب لا تحزن فذاك الحب
injection فلن تجدى عقاقير ولن يشفيك
direction فكم من عاقل فطن مضى بالحب
mention ستنكره وتنساه ولن يبقى له
section فلا تكتب له شعرًا ولا تكتب له
selection ولا يحزنك من باعك فقد أخطأت
action ولا تبدى له أسفًا ولا تظهر له
exception فإن الحب منزلة لبعض الناس
tension وبعض الناس إن هجروا فلا حزن ولا
connection وبعض الناس إن قطعوا يظل ويبقى
reaction فلوصل الروح مفعول وما أحلاه
affection بدعوة فى جوف الليل لها تأثير و
conversion فلا أسف على دنيا لك اليوم وغدًا عليك

١٥‏/١٠‏/٢٠٠٧

! ..كان

لدى ما أريد أن أقوله
هناك حقيقة مأساوية نعيشها ليست بسر على أحد، هى أن كل أزمان أحداث الحياة تتسلل زحفًا لتتحول إلى الزمن الماضى، بعد أن تمر على الزمنين الذين لا يشعر بوجودهما أحد.. المستقبل والحاضر
لماذا؟ لأن –ببساطة– هذا ما يحدث
فجأة تكتشف أن كل شىء قد "كان" و"كنت" و"كنا"
"كنت" طفلاً وتمنيت لو كبرت فكبرت، و"كنت" تلميذًا فى مدرسة وتمنيت لو أتممت دراستى بها فأتممت، و"كنت" فى الجامعة وتمنيت لو تخرجت فتخرجت، و"كنا" نقضى وقتًا جميلاً وانتهى، و"كان" لى أصدقاء فى بلاد أخرى ولم يعد، و"كنت" أنتظر أحداثًا كثيرة لكى تحدث، حدث بعضها ولم يحدث البعض الآخر، قد يكون فى طريقه للحدوث أو قد لا يكون، ولكنى "كنت" أنتظره، ففى كل سنة مثلاً لا نكتشف أن هناك رمضان إلا عندما ينتهى.. "كان" رمضان، ثم "كان" العيد، وهناك المئات من الأحداث التى أنتظرها وسأنتظرها وستدخل فى نطاق "الكائن" ثم إلى الخزانة الكبرى "كان"
إذا حسبنا كم نستغرق فى التفكير فى أحداث الحياة فإن الزمن الماضى يأخذ الحيز الأكبر، فالأحداث التى "حدثت" هى التى نعرفها وندرسها وندرك أبعادها ونتحسر على بعضها ونتمنى أن يعود
كل الأوقات الجميلة تسير فى هذا الاتجاه.. نتفق عليها وعلى موعد ميلادها إذا كانت من ترتيبنا أو ننتظرها إذا كانت أحداثًا لا دخل لنا فيها، فتأخذ حكم ما "سيكون" لوقت قصير، ثم تصبح "كائنة" لوقت أقصر، ثم تنتهى وتأخذ شكل ما "كان" إلى أبد الآبدين
كل الأحداث العظيمة تتحول إلى صور أو كتابات بعد حدوثها مباشرة.. صور أرشيفية من مختصين أو أخرى من هواة يحبون جمع الصور.. كتابات رسمية من جهات معنية بذلك أو كتابات مثل التى تقرأها الآن.. وهكذا
وعلى المستوى الشخصى.. فإننى فى أشياء كثيرة "سأكون" وفى أشياء أخرى "كائن"، ولكنى على يقين أننى فى يوم ما سأدخل فى عداد من "كان".. بالتأكيد

٢١‏/٠٨‏/٢٠٠٧

جعلتنى متطفلاً

والله يا أستاذ أحمد دى فكرة جامدة محتاجة يترد عليها بفكرة أجمد.. وأنا بصفتى واحد من المتطفلين "جمع متطفل" اللى عجبتهم الفكرة.. وبترشيح من الأستاذة مى كامل اللى جعلتنى متطفلاً.. أحب أتكلم فى الحاجات اللى انت عاوزنا نتكلم فيها.. أسرارنا اللى محدش يعرفها.. أو بمعنى أصح اللى كانت أسرارنا.. خد عندك:
أنا عشت جزء من حياتى فى ليبيا.. من خامسة إبتدائى لحد تالتة إعدادى.. كان بابا بيشتغل هناك وأنا دخلت هناك المدرسة.
الليبيين دول شعب ممكن تعيش معاه.. بشرط إنك تكون فوق التلاتين سنة.. أما لو كنت تحت التلاتين فإنك ممكن يتعمل فيك زى ما بتشوف اللى بيحصل فى جوانتانامو.. لأن الشباب الليبى بأمانة شديدة وبدون أدنى مبالغة بيكسلوا يفكروا.. وبتكون النتيجة إنهم بيهيموا على وجههم.. كمية همجية وتوحش فى التعامل ملهاش مثيل.. وخصوصًا لما يعرفوا إن الباشا مصرى.. يا سعدك يا هناك.. تبقى الحاجّة متوضية وداعيالك دعوة سالكة فى ليلة مفترجة.
متأسف على المقدمة الطويلة ونخش فى السر الأول.
مرة كنت بتفرج على عيال بيلعبوا كورة.. شباب زى الورد أكبر واحد فيهم ميكملش 18سنة.. وأنا قاعد بمنتهى الاحترام بتفرج.. والله ماكنت بعمل حاجة غير إنى كنت بتفرج.. هوب اللعب وقف.. هوب العيال اتخانقوا.. هوب مسكوا فى بعض.. هوب فى 3ثوانى يا مؤمن لقيت الملعب بقى سلخانة وماحدش عارف أبوه.. ولقيت واحد جاى يمسك فى خناقى.. واد قدى مرة ونص فى السن وأربع مرات فى الحجم.. وأنا عمال أقول ورحمة خالتك أنا ما كنت بلعب.. بحسبه جاى يضربنى.. لكن هيهات.. البيه كان بيتحامى فيا.. ملقاش غيرى يتحامى فيه.. المهم مفهمتش غير لما شفت كمية طوب غير طبيعية جاية من ورا سور.. والله معرفش السور ده ظهر منين بس مكانش عندى وقت أفكر فى كده.. ومتفرقش معايا خالص إذا كان السور ده سور مدرسة ولا سور نادى ولا سور الصين العظيم ولا سور مجرى العيون.. ومش عاوز أقول لك ياريس إن لو لعبة الحدف بالطوب دخلت الأولمبياد إضمن لليبيا 18ميدالية دهب وش كده وانت مغمض.. أبطال العالم فى الحدف بالطوب والنعمة الشريفة.
المهم.. هوووووب.. طوبة رشقت رشق فى دماغى.. دماغى بقت شبه الشمامة.. وقعت عالأرض زى الشلن لما تحدفه لفوووووق وتسيبه ينزل عالسيراميك.
طيب أروح البيت إزاى.. هقول لأبويا وأمى إيه.. هم منبهين عليا 12ألف مرة إنى مليش دعوة بالعيال الليبيين.. وطبعًا بدأت أشغل عقلية عيل عنده 11سنة وقلتلهم إنى وأنا راجع راسى خبطت فى البوابة.. مع إنى ساعتها مكنتش بطول ألمس البوابة بإيدى.. المهم إن الكدبة دخلت عليهم ولحد دلوقتى ميعرفوش حاجة عن الموضوع ده.
السر التانى برضه كان فى ليبيا.. معلش أنا تعبتك معايا يا أستاذ أحمد.. سبعمية كيلو رايح وسبعمية جاى بس انت اللى عاوز.
يا كسوفى.. مش عارف أقول السر ده إزاى.. يالهوىىىى.. شكلى هيبقى زبالة قدام خطيبتى لما أخطب.. وقدام مراتى لما أتجوز.. وقدام عيالى لما أخلف.
من الآخر.. أنا مرة إتمديت.. أيوة إتمديت.. قلعت مداسى –مش عاوز أقول جزمتى– وإتمديت.
الحاج والحاجّة منبهين عليا إن لو حد قال لك انت هتتمد سيب الفصل واطلع عالمدير.. ممكن تخلى المدرس يضربك بأى طريقة ما عدا المد.. مع إن الحاج والحاجّة يعنى مش خريجين النوتردام.. بس أهو بقى.. كبرت فى دماغهم.
وأنا فى أولى إعدادى الفصل مرة مكانش فيه مدرس والعيال عملوا دوشة فظيعة.. لدرجة إن المدير سمع الدوشة دى.. وجالنا بنفسه مع مدرس كان إسمه عاشور التاوسكى.. بس كان متوحش.. والباشا ماسك خرطوم بوتاجاز فى إيده.. ومصمم إنه يمد الفصل كله.
أنا لقيت العيال كلها مستسلمة.. عادى خالص.. ليبيين على فلسطينيين على جزائرى على عراقى على تركى على مصرى –العبد لله– كلهم قلعوا الجزم بمنتهى السعادة كإنهم كان نفسهم يتمدوا من زمان.. آه ياولاد الـ"تيييت".
تتصرف كيف يا عبرحيم تتصرف كيف يا عبرحيم تتصرف كيف يا عبرحيم.. هعمل إيه.. هطلع أنا الفلوطة اللى فى الفصل وأقول مش هتمد؟؟ وبعدين هروح فين؟؟ هطلع عالمدير؟؟ ما الباشا مشرف هنا أهو.. اجلع الكندرة "الجزمة بالليبى".. جلعت الكندرة.. أينعم حسيت بلسوعة جامدة فى رجلى بس مكنتش زعلان أوى.. لأن الفصل كله اتمد.. وأنا الصراحة كنت متخانق مع الفصل كله.. ومبكلمش غير أربعة مثلاً.. وبالتالى فرحت فيهم كلهم.
وطبعًا لما رجعت البيت ولا جبت سيرة لجنس مخلوق إنى إتمديت.. مع إنى شايف إنها حاجة عادية جدًا.. ومحدش يعرف الحكاية دى غير اللى هيقرا البوست ده.
السر المصرى الأول....
كلنا عارفين سنة أولى ثانوى بتقل دمها وموادها الكتيرة الرزلة اللى بتخليك عاوز تلطم على خدودك حيث لا ينفع لطم الخدود.. المهم.. فى امتحان الكيميا بتاع أولى ثانوى أنا ملحقتش أذاكر كويس.. عادى.. كان عندى امتحانات كل يوم ويوم الكيميا كان مزنوق زنقة منيلة بنيلة.. رجعت من الامتحان اللى قبله مهدود ونمت وصحيت متأخر جدًا.. بتحصل فى أحسن الامتحانات.. صحيت ملحقتش أخلص المنهج مراجعة واتخمدت تانى لأنى كنت تعبان بجد.. النتيجة إنى سبت حوالى نص المنهج من غير ما أراجعه.. أينعم أنا كنت مذاكره قبل كده.. بس طبعًا كنت ناسيه.. فكان لازم أذاكر من الأول لأنى كنت كل ما بشوف حاجة أكنى بشوفها لأول مرة.
قشطة.. إقنعنى انت بقى إزاى هذاكر 200صفحة فى 3ساعات مثلاً؟؟ أنهى كلام فى أنهى دنيا ده؟؟ وكانت النتيجة إنى دخلت الامتحان من غير نص المنهج تقريبًا.. وبالتالى ضاعت منى نص الأسئلة.. وبالتالى نجحت عالحركرك.. ودى بقى كانت كارثة عندنا فى البيت.. الباشا مهند جايبلى 5من 10فى الكيميا.. يا خيبة مجوز.. المهم بابا قال يمكن يكون فيه غلطة فى رصد الدرجات ولا حاجة.. ومن غير ما يقول لى راح للى كان ماسك الكنترول –للأسف كان صاحبه– وقال له إنه عاوز يشوف ورقتى فى الكيميا.. ولما شافها عرف إن فعلاً دى درجتى.
نسيت أقول لك إن بابا كان جايبلى كتاب المعلم فى الكيميا علشان أذاكر منه قبل الامتحان.. وأنا بمنتهى الوفاء والإخلاص باصيت الكتاب لواحد صاحبى من غير ما أفر فيه ورقة واحدة.. واحد صاحبى قال لى عندك كتاب خارجى فى الكيميا؟؟ قلتله غالى والطلب رخيص.. وياريتنى ما قلتله.
المهم رجع الحاج من المدرسة وقال لى انت ذاكرت كيميا قبل الامتحان؟؟ قلتله أصل الحقيقة الوقت كان ضيق جدًا وملحقتش أخلص المنهج.. ومش أنا لوحدى اللى كده.. معظم الناس كده.. ودى كانت حقيقة فعلاً.. قال لى طيب ذاكرت كيميا منين؟؟ وفين كتاب المعلم اللى أنا جايبهولك؟؟
مش عاوز أقول لك على كمية الألوان اللى وشى جابها.. يمكن يكون اخترع ألوان جديدة والله.. قلتله طيب ثانية واحدة هشوفه جوا.. أهو أدخل أوضتى وبعدين يبقى يحلها حلال.. عملت نفسى بدور عالكتاب وأنا بفكر هقول إيه.. المهم طلعت مدلدل ودانى وقلتله إنى أخدته معايا المدرسة علشان أراجع منه قبل الامتحان ونسيته هناك.. ومن ساعتها ومحدش يعرف الكتاب ده فين.. والحاج لو كان عرف الحقيقة مكانش حد زمانه بيقرا الكلام اللى أنا كاتبه ده دلوقتى ولا كان البلوج ده هيبقى موجود.
هى دى الأسرار اللى موجودة فى دماغى دلوقتى يا أبوحميد.. وسنوافيكم بباقى الأسرار وقت حضورها.. وشكرًا ليك على تنشيط ذاكرتى.
المخلص.. مهند